والله العظيم .. والله العظيم .. الكلام المكتوب دة كله مش بجد ..
ولا بحق وحقيقي ، وإحنا بنحب البلد .. والحكومة بتاعتنا أجدع ناس .. وتعيش مصر حرة مستقلة ..
وبلادي بلادي لكي حبي وفؤادي .. وتعظيم سلام لضباط البوليس .. وربنا يستر ..
-----------------------------
دق المنبه إلى جواري في إلحاح عجيب .. لينزع عني أحلى نومة بمنتهى السهولة .. بحثت عنه وأنا أمد يدي في كل مكان ولا أستطيع أن أفتح عيني .. ها هو .. أغلقت زر الصوت .. حاولت أن أقوم .. نزعت عني الغطاء .. وامتلأت رأسي بصورة ليوم جديد .. ونموذج جديد من العذاب اليومي المتكرر .. حيث قررت البحث عن وظيفة جانب الدراسة تعينني على أعباء الحياة .. تصورت زحام المواصلات .. اللف والدوران .. شركات الأمن .. شركات النظافة .. المطاعم .. المستشفيات .. فرن العيش .. أقسام البوليس .. سوق الخضار .. لأعود بعد رحلة عذاب ورجلي وارمة ودماغي مصدّعة ونفسيتي مدمرة ..
ارتديت ملابسي ونزلت .. وقفت في المحطة أنتظر الأتوبيس .. حدث شيء عجيب فعلا .. وقف الأتوبيس أمامي مباشرة .. ولكن ترددت أن أركب .. لأنني لم أتعود أن أرى أتوبيسا بهذه النظافة .. وفي نفس الوقت ( مش حتصدقوني ) فاضي .. فاااااضي .. طيب نظيف ماشي .. لكن فاضي ؟! لأ .. مش ممكن
.. قطع تفكيري صوت شاب انيق وهو يقول :
- حضرتك حتركب معانا ؟
سألته بعد ما صعدت :
- هو حضرتك مين ؟
- أنا في خدمتك يا فندم
تقدمني الشاب وهو يشير إلى أحد الكراسي ( النظيفة برضه ) وهو يقول :
- تفضل هنا يا فندم
نظرت إلى الكرسي وأنا مصدوم ؛ لأني عمري في حياتي ما فكرت ولا حلمت ولا تخيلت ولا تصورت ولا .... إني حعد على كرسي في أتوبيس .. جلست على الكرسي .. وفجأة سمعت صوت السائق وهو يتحدث في الميكروفون بأدب شديد :
- حضرات الركاب .. حضرات الركاب .. والله العظيم إحنا آسفين عشان التكييف بايظ .. والله حيتصلح النهاردة .. والله لتسامحونا .. معلش يا جماعة محدش يزعل مننا
بعد دقائق وصلت لمحطة (مكتب العمل) .. وأهو الواحد بيعمل اللي عليه .. يمكن نلاقي شغل .. نظرت إلى المكتب مبنى عملاق .. واجهته كلها رخام في رخام .. وعلى أرضية المدخل مشاية حمراء من السجاد النضيف، ويافطة مكتوب عليها بحروف ذهبية (مكتب العمل) .. دخلت إلى المبنى .. أنظر يميني ويساري .. أجد يافطات مكتوب عليها شعار المكتب :
( من النهاردة مفيش طوابير .. ولا انتظار ولا تأخير )
وأخرى مكتوب عليها :
( ممنوع منعا باتا الرشاوي والقهوة وحلاوة البق .. لعدم الإحراج )
اتجهت وأنا أعيش حالة من الذهول والوهم إلى أحد المكاتب .. ابتسم لي الموظف ابتسامة لطيفة قائلا :
- تحت أمرك يا فندم
- أنا ؟! .. أنا .. بدور على وظيفة .. ومش مهم .. أي وظيفة
ابتسم ابتسامة أكثر لطفا :
- مؤهلك إيه ؟
- أنا لسة طالب في الكلية
اتجه إلى الكمبيوتر، وكتب عليه بعض الكلمات في سرعة .. ثم ضغط على زر "انتر" في حركة مسرحية .. ثم استدار قائلا :
- مشرف على مشروع إسكان الشباب .. مرتب 2500 جنيه شهريا ؟؟
- مين ؟ أنا ؟ بتتكلم جد ؟ طب قول والله كدة
شعرت بأن كل شيء حولي مجنون .. مجنوون .. سقت الجنون .. وياللا أهو جنون بجنون .. وأنا أصلا مجنون .. وزعقت بأعلى صوتي :
- اللي بيحصل دة تهريج .. 2500 جنيه بس .. أنا عاوز أقابل الوزيرة
ابتسم الموظف ابتسامة أخرى .. وضغط أزرار التليفون .. ليجيب عامل السويتش .. ثم يقول الموظف له بمنتهى البساطة :
- وزيرة القوى العاملة من فضلك
أعطاني السماعة وهو يبتسم .. لم أعرف ماذا أقول .. وجدت صوتا يجيبني في منتهى اللطف :
- أيوة يا ابني .. تحت أمرك
قلت بقى أكمل الدور .. ما هي خربانة خربانة :
- إزاي حضرتك يبقى مرتبي 2500 جنيه بس ؟ .. ما كنتش اتعلمت أحسن
- يا ابني تقدر تقابلني في المكتب النهاردة من 11 لـ 11:30 .. أنا مستنياك .. اوعى تتأخر .. مع السلامة
طلعت من المكتب أجري في الشارع .. أبحث عن راديو .. جورنال .. أي حاجة تثبت إن أنا في مصر .. هداني الطريق إلى قهوة فيها تليفزيون .. قلت: بس .. دخلت ع الناس القاعدين .. وقلتلهم: شغلوا القناة الأولى يا جدعان .. عايز أعرف أنا فين
- ما هي دي القناة الأولي يا كابتن ..
- مش حتصدقوا لقيت إيه .. لقيت المذيع بيقول: أيها السادة المواطنون .. تعلن وزارة الإسكان عن وجود شقق للشباب .. بالتقسيط .. بالتقسيط المريح كمان .. اسكن وبعدين ادفع .. والمفاجأة إن اللي حياخد شقتين حياخد عليهم واحدة هدية ..
يا نهار أبيض .. مش معقول .. مصدقتش نفسي .. جريت في الشارع وأنا أصرخ :
- جرى إيييه يا بلد ؟! .. هو إيه اللي بيحصل دة ؟ أنا .. أنا فين يا جدعان ؟ .. ولا انتي فين يا مصر ؟ ..
حد شاف مصر يا ناس ؟
أوقفني ضابط الشرطة .. سألني :
- هو فيه حاجة مضايقاك يا أستاذ ؟
نظرت إلى النسور والسيوف اللي متعلقة على كتفه وسألته :
- هو حضرتك بتكلمني ؟
- أيوة .. أنا ضابط شرطة ودة إثبات شخصيتي .. اتفضل حضرتك افحصه
فتحت فمي على آخره .. وبرقت بعيني و معرفتش أقول إيه
فقال :
- لو حضرتك رايح مكان .. أنا ممكن أوصلك
طبعا المفروض أندهش .. لكن أنا اندهشت بما فيه الكفاية النهاردة !!
ولا بحق وحقيقي ، وإحنا بنحب البلد .. والحكومة بتاعتنا أجدع ناس .. وتعيش مصر حرة مستقلة ..
وبلادي بلادي لكي حبي وفؤادي .. وتعظيم سلام لضباط البوليس .. وربنا يستر ..
-----------------------------
دق المنبه إلى جواري في إلحاح عجيب .. لينزع عني أحلى نومة بمنتهى السهولة .. بحثت عنه وأنا أمد يدي في كل مكان ولا أستطيع أن أفتح عيني .. ها هو .. أغلقت زر الصوت .. حاولت أن أقوم .. نزعت عني الغطاء .. وامتلأت رأسي بصورة ليوم جديد .. ونموذج جديد من العذاب اليومي المتكرر .. حيث قررت البحث عن وظيفة جانب الدراسة تعينني على أعباء الحياة .. تصورت زحام المواصلات .. اللف والدوران .. شركات الأمن .. شركات النظافة .. المطاعم .. المستشفيات .. فرن العيش .. أقسام البوليس .. سوق الخضار .. لأعود بعد رحلة عذاب ورجلي وارمة ودماغي مصدّعة ونفسيتي مدمرة ..
ارتديت ملابسي ونزلت .. وقفت في المحطة أنتظر الأتوبيس .. حدث شيء عجيب فعلا .. وقف الأتوبيس أمامي مباشرة .. ولكن ترددت أن أركب .. لأنني لم أتعود أن أرى أتوبيسا بهذه النظافة .. وفي نفس الوقت ( مش حتصدقوني ) فاضي .. فاااااضي .. طيب نظيف ماشي .. لكن فاضي ؟! لأ .. مش ممكن
.. قطع تفكيري صوت شاب انيق وهو يقول :
- حضرتك حتركب معانا ؟
سألته بعد ما صعدت :
- هو حضرتك مين ؟
- أنا في خدمتك يا فندم
تقدمني الشاب وهو يشير إلى أحد الكراسي ( النظيفة برضه ) وهو يقول :
- تفضل هنا يا فندم
نظرت إلى الكرسي وأنا مصدوم ؛ لأني عمري في حياتي ما فكرت ولا حلمت ولا تخيلت ولا تصورت ولا .... إني حعد على كرسي في أتوبيس .. جلست على الكرسي .. وفجأة سمعت صوت السائق وهو يتحدث في الميكروفون بأدب شديد :
- حضرات الركاب .. حضرات الركاب .. والله العظيم إحنا آسفين عشان التكييف بايظ .. والله حيتصلح النهاردة .. والله لتسامحونا .. معلش يا جماعة محدش يزعل مننا
بعد دقائق وصلت لمحطة (مكتب العمل) .. وأهو الواحد بيعمل اللي عليه .. يمكن نلاقي شغل .. نظرت إلى المكتب مبنى عملاق .. واجهته كلها رخام في رخام .. وعلى أرضية المدخل مشاية حمراء من السجاد النضيف، ويافطة مكتوب عليها بحروف ذهبية (مكتب العمل) .. دخلت إلى المبنى .. أنظر يميني ويساري .. أجد يافطات مكتوب عليها شعار المكتب :
( من النهاردة مفيش طوابير .. ولا انتظار ولا تأخير )
وأخرى مكتوب عليها :
( ممنوع منعا باتا الرشاوي والقهوة وحلاوة البق .. لعدم الإحراج )
اتجهت وأنا أعيش حالة من الذهول والوهم إلى أحد المكاتب .. ابتسم لي الموظف ابتسامة لطيفة قائلا :
- تحت أمرك يا فندم
- أنا ؟! .. أنا .. بدور على وظيفة .. ومش مهم .. أي وظيفة
ابتسم ابتسامة أكثر لطفا :
- مؤهلك إيه ؟
- أنا لسة طالب في الكلية
اتجه إلى الكمبيوتر، وكتب عليه بعض الكلمات في سرعة .. ثم ضغط على زر "انتر" في حركة مسرحية .. ثم استدار قائلا :
- مشرف على مشروع إسكان الشباب .. مرتب 2500 جنيه شهريا ؟؟
- مين ؟ أنا ؟ بتتكلم جد ؟ طب قول والله كدة
شعرت بأن كل شيء حولي مجنون .. مجنوون .. سقت الجنون .. وياللا أهو جنون بجنون .. وأنا أصلا مجنون .. وزعقت بأعلى صوتي :
- اللي بيحصل دة تهريج .. 2500 جنيه بس .. أنا عاوز أقابل الوزيرة
ابتسم الموظف ابتسامة أخرى .. وضغط أزرار التليفون .. ليجيب عامل السويتش .. ثم يقول الموظف له بمنتهى البساطة :
- وزيرة القوى العاملة من فضلك
أعطاني السماعة وهو يبتسم .. لم أعرف ماذا أقول .. وجدت صوتا يجيبني في منتهى اللطف :
- أيوة يا ابني .. تحت أمرك
قلت بقى أكمل الدور .. ما هي خربانة خربانة :
- إزاي حضرتك يبقى مرتبي 2500 جنيه بس ؟ .. ما كنتش اتعلمت أحسن
- يا ابني تقدر تقابلني في المكتب النهاردة من 11 لـ 11:30 .. أنا مستنياك .. اوعى تتأخر .. مع السلامة
طلعت من المكتب أجري في الشارع .. أبحث عن راديو .. جورنال .. أي حاجة تثبت إن أنا في مصر .. هداني الطريق إلى قهوة فيها تليفزيون .. قلت: بس .. دخلت ع الناس القاعدين .. وقلتلهم: شغلوا القناة الأولى يا جدعان .. عايز أعرف أنا فين
- ما هي دي القناة الأولي يا كابتن ..
- مش حتصدقوا لقيت إيه .. لقيت المذيع بيقول: أيها السادة المواطنون .. تعلن وزارة الإسكان عن وجود شقق للشباب .. بالتقسيط .. بالتقسيط المريح كمان .. اسكن وبعدين ادفع .. والمفاجأة إن اللي حياخد شقتين حياخد عليهم واحدة هدية ..
يا نهار أبيض .. مش معقول .. مصدقتش نفسي .. جريت في الشارع وأنا أصرخ :
- جرى إيييه يا بلد ؟! .. هو إيه اللي بيحصل دة ؟ أنا .. أنا فين يا جدعان ؟ .. ولا انتي فين يا مصر ؟ ..
حد شاف مصر يا ناس ؟
أوقفني ضابط الشرطة .. سألني :
- هو فيه حاجة مضايقاك يا أستاذ ؟
نظرت إلى النسور والسيوف اللي متعلقة على كتفه وسألته :
- هو حضرتك بتكلمني ؟
- أيوة .. أنا ضابط شرطة ودة إثبات شخصيتي .. اتفضل حضرتك افحصه
فتحت فمي على آخره .. وبرقت بعيني و معرفتش أقول إيه
فقال :
- لو حضرتك رايح مكان .. أنا ممكن أوصلك
طبعا المفروض أندهش .. لكن أنا اندهشت بما فيه الكفاية النهاردة !!