القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها .. نزل مقرونا بسم الله سبحانه وتعالى ـ ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها الله تبارك وتعالى ـ وهي أن تكون البداية بسم الله. وأول الكلمات اتلي نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت "اقرأ بسم ربك الذي خلق". وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون .. هي بسم الله. ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية. ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك الذي يحمل الوحي بالقرآن .. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى: "اقرأ".
واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان .. إما حافظا لشيء يحفظه، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه .. وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه .. وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
وعندما قال جبريل: "اقرأ" .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ .. وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم منطقيا مع قدراته. وتردد القول ثلاث مرات .. جبريل عليه السلام بوحي من الله سبحانه وتعالى يقول للرسول "اقرأ" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ .. ولقد أخذ خصوم الإسلام هذه النقطة .. وقالوا كيف يقول الله لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا بقارئ.
نقول إن الله تبارك وتعالى .. كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول أنه لا يستطيع أن يقرأ ولا يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلي يوم القيامة .. لأن كل البشر يعلمهم بشر .. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى. ليكون معلما لأكبر علماء البشر .. يأخذون عنه العلم والمعرفة. لذلك جاء الجواب من الله سبحانه وتعالى:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق "1" خلق الإنسان من علقٍ "2"}
(سورة العلق)
أي أن الله سبحانه وتعالى. الذي خلق من عدم. سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات الدنيا على أن يأتوا بمثله .. وسيكون ما تقرأه وأنت النبي الأمي إعجازا .. ليس لهؤلاء الذين سيسمعونه منك لحظة نزوله. ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط، ولكن حتى قيام الساعة، ولذلك قال جل جلاله:
{اقرأ وربك الأكرم "3" الذي علم بالقلم "4"}
(سورة العلق)
أي أن الذي ستقرؤه يا محمد .. سيظل معلما للإنسانية كلها إلي نهاية الدنيا على الأرض .. ولأن المعلم هو الله سبحانه وتعالى قال: "اقرأ وربك الأكرم" مستخدما صيغة المبالغة. فهناك كريم وأكرم .. فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم الله جل جلاله .. لأنه يسر لك العلم على يد بشر مثلك .. أما إذا كان الله هو الذي سيعلمك .. يكون "أكرم" .. لأن ربك قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى ..
والحق يريد أن يلفتنا إلي أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة، ولكنه يقرأه بسم الله، ومادام بسم الله .. فلا يهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بشر أو لم يتعلم. لأن الذي علمه هو الله .. وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.
على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله .. لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا .. ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه .. فالأمر لله علما وقدرة ومعرفة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "16"}
(سورة يونس)
لذلك أنت تقرأ القرآن بسم الله .. لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاما وتنزيلا وقراءة .. ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن بسم الله؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل بسم الله .. لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. فحين نزع الأرض مثلا .. لابد أن نبدأ بسم الله .. لأننا لم نخلق الأرض التي نحرها .. ولا خلقنا البذرة التي نبذرها. ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع.
أن الفلاح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع .. إن كل ما يفعله الإنسان هو أنه يعمل فكره المخلوق من الله في المادة المخلوقة من الله .. بالطاقة التي أوجدها الله في أجسادنا ليتم الزرع.
والإنسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار .. ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة. ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء .. فكأنه حين يبدأ العمل بسم الله، يبدؤه بسم الله الذي سخر له الأرض .. وسخر له الحب، وسخر له الماء، وكلها لا قدرة له عليها .. ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته .. فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا بسم من سخرها له ..
والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك. فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون .. ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية. بل هي تعمل بقدرة خالقها. الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها.
الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه. ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي إنسان على أن يستأنسها. ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا .. لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمها .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلها مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء، ولم يخضع لنا ما شاء. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" }
(سورة يس)
واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان .. إما حافظا لشيء يحفظه، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه .. وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه .. وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
وعندما قال جبريل: "اقرأ" .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ .. وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم منطقيا مع قدراته. وتردد القول ثلاث مرات .. جبريل عليه السلام بوحي من الله سبحانه وتعالى يقول للرسول "اقرأ" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ .. ولقد أخذ خصوم الإسلام هذه النقطة .. وقالوا كيف يقول الله لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا بقارئ.
نقول إن الله تبارك وتعالى .. كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول أنه لا يستطيع أن يقرأ ولا يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلي يوم القيامة .. لأن كل البشر يعلمهم بشر .. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى. ليكون معلما لأكبر علماء البشر .. يأخذون عنه العلم والمعرفة. لذلك جاء الجواب من الله سبحانه وتعالى:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق "1" خلق الإنسان من علقٍ "2"}
(سورة العلق)
أي أن الله سبحانه وتعالى. الذي خلق من عدم. سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات الدنيا على أن يأتوا بمثله .. وسيكون ما تقرأه وأنت النبي الأمي إعجازا .. ليس لهؤلاء الذين سيسمعونه منك لحظة نزوله. ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط، ولكن حتى قيام الساعة، ولذلك قال جل جلاله:
{اقرأ وربك الأكرم "3" الذي علم بالقلم "4"}
(سورة العلق)
أي أن الذي ستقرؤه يا محمد .. سيظل معلما للإنسانية كلها إلي نهاية الدنيا على الأرض .. ولأن المعلم هو الله سبحانه وتعالى قال: "اقرأ وربك الأكرم" مستخدما صيغة المبالغة. فهناك كريم وأكرم .. فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم الله جل جلاله .. لأنه يسر لك العلم على يد بشر مثلك .. أما إذا كان الله هو الذي سيعلمك .. يكون "أكرم" .. لأن ربك قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى ..
والحق يريد أن يلفتنا إلي أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة، ولكنه يقرأه بسم الله، ومادام بسم الله .. فلا يهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بشر أو لم يتعلم. لأن الذي علمه هو الله .. وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.
على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله .. لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا .. ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه .. فالأمر لله علما وقدرة ومعرفة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "16"}
(سورة يونس)
لذلك أنت تقرأ القرآن بسم الله .. لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاما وتنزيلا وقراءة .. ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن بسم الله؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل بسم الله .. لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. فحين نزع الأرض مثلا .. لابد أن نبدأ بسم الله .. لأننا لم نخلق الأرض التي نحرها .. ولا خلقنا البذرة التي نبذرها. ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع.
أن الفلاح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع .. إن كل ما يفعله الإنسان هو أنه يعمل فكره المخلوق من الله في المادة المخلوقة من الله .. بالطاقة التي أوجدها الله في أجسادنا ليتم الزرع.
والإنسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار .. ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة. ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء .. فكأنه حين يبدأ العمل بسم الله، يبدؤه بسم الله الذي سخر له الأرض .. وسخر له الحب، وسخر له الماء، وكلها لا قدرة له عليها .. ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته .. فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا بسم من سخرها له ..
والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك. فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون .. ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية. بل هي تعمل بقدرة خالقها. الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها.
الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه. ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي إنسان على أن يستأنسها. ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا .. لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمها .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلها مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء، ولم يخضع لنا ما شاء. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" }
(سورة يس)
عدل سابقا من قبل مشمش في الثلاثاء 19 مايو - 4:20:24 عدل 1 مرات