قحط وجفاف.. حرائق.. جو خانق بالحرارة والرطوبة.. حيوانات تنقرض بسرعة غير
عادية، وأمراض جديدة بسبب انتشار البعوض في كل مكان.. انها بعض نتائج
ظاهرة الاحتباس الحراري التي تشهدها أستراليا هذه الأيام.
وعلى الجانب الآخر من هذه النتائج.. ارتفاع غير عادي في نسبة حوادث
الانتحار، وكذلك حالات الطلاق.. المستشفيات تغص بضحايا الانهيار العصبي،
ومعه الانهيار الاقتصادي أيضاً.
لسنوات طويلة، اشتهرت أستراليا بالمغامرين الأوائل من المهاجرين الذين
وصلوا إلى شواطئها بحثاً عن وطن يحظى بكل أسباب النجاح الموعود في أرض
خصبة ومناخ هو الأكثر جفافاً في العالم.. وخلال سنوات قليلة، حققت
أستراليا خطوات اقتصادية جبارة، وأصبحت مزارعها ومراعيها مصدراً للخضروات
والفواكه والمواشي التي تملأ بطون العالم في قارات الشرق والغرب.
وسرعان ما أصبحت أستراليا تحمل لقب القارة المحظوظة، وانتشرت صور شواطئها
وحقولها في العالم كله.. لقد نجحت الحكومات الأسترالية المتعاقبة في تصوير
البلاد على أنها بلاد الشمس الدائمة والشعب الذي يعرف كيف يصنع المعجزات
ويثير غيرة الآخرين.
عشرات العلماء وخبراء المناخ يقولون بضرورة إعادة النظر في هذه الصورة
البراقة.. ففي السنوات الأخيرة شهدت أستراليا ولا تزال حرائق تأكل الأخضر
واليابس في شرق البلاد وغربها بسبب موجات الجفاف القاتل، تتبعها فيضانات
موسمية تغرق الحقول والمزارع وتشرد الآلاف.. وبين الحرائق والجفاف
والفيضانات تسجل الحركة الاقتصادية تراجعاً غير مسبوق، والسبب كما يؤكد
الجميع : الاحتباس الحراري الذي يبدو أن أستراليا أولى ضحاياه.
على الرغم من أن أستراليا اتخذت العديد من الخطوات الاستباقية لمواجهة
الأوضاع الجديدة، فقد أطلق بعض العلماء تحذيراً واضحاً من أن الظروف
المناخية الصعبة التي تشهدها أستراليا عبارة عن صورة مصغرة لما سوف يشهده
العالم في السنوات القليلة المقبلة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري إذا لم
يتم اتخاذ الخطوات الضرورية والعاجلة لحماية البشرية من هذا الخطر الداهم.
ويقول تيم فلانيري الذي يلقبونه في أستراليا بنبي المناخ لضلوعه المتعمق
في دراسة علومه أن المشكلات الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري تزداد
خطورة مع الأيام، والثمن الذي يتوجب على أستراليا أن تدفعه نتيجة لهذه
الظاهرة أكبر بكثير من الأثمان التي ستدفعها الدول النامية الأخرى.. «لقد
بدأنا نشهد بعض النتائج التي تنتزع صمامات الأمان والحياة».
ففي فبراير الماضي، لقي 173 شخصاً مصرعهم بسبب حرائق الغابات والتي اعتبرت
الأسوأ في تاريخ البلاد.. وقبل ذلك بأسبوع واحد مات أكثر من 200 شخص بسبب
موجة الحر التي اجتاحت أستراليا.
المناخ في قفص الاتهام
لهذه الأسباب وغيرها، تم تشكيل لجنة حكومية عليا من ثلاثة قضاة مهمتها أن
تقرر ما إذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري مسؤولة، بين أمور أخرى، عن
الحرائق والفيضانات وموجات الحر التي تجتاح البلاد بوتيرة متسارعة هذه
الأيام، والتي كان آخرها حريق هائل دمر عدة مدن وقرى في ولاية فيكتوريا
وقضى على أكثر من ربع الحيوانات والطيور النادرة في تلك الولاية وأهمها
الكوالا والكنغر.
ويقول المتابعون أن تشكيل هذه اللجنة التي تحظى بصلاحيات واسعة جداً يعتبر
الخطوة الأولى لمحاكمة الطقس في بلد لا يزال يعتمد على الفحم الحجري
لتأمين 80% من احتياجاته للطاقة، في حين أن الفحم الحجري نفسه يعتبر
المسبب الأول لتلك الظاهرة التي تهدد البشرية.
وعلى الرغم من أن اللجنة لن تنتهي من إعداد تقريرها النهائي قبل شهر أغسطس المقبل، فمحاضر الدعوى في القضية تبدو شبه جاهزة.
ويجمع العلماء والسكان، وكذلك رجال المطافئ الذين شاركوا في مكافحة نيران
الحرائق الأخيرة في ملبورن والتي أعقبت موجة حر غير عادية أن 200 شخص لقوا
مصرعهم حين حولت الحرارة الشديدة منازلهم المصنوعة من الصفيح إلى توابيت
محكمة الإغلاق، كما «عجنت» خطوط السكك الحديد بطول 400 قدم وحولتها إلى ما
يشبه قضبان المعكرونة، بعد أن سجلت الحرارة ما بين 110 و120 درجة على
مقياس فهرنهايت (43 – 49 مئوية) وأكثر، في جو تقترب فيه الرطوبة من درجة
الصفر، مع رياح تزيد سرعتها على 100 ميل (160 كيلومتراً) في الساعة. وخلال
أقل من 24 ساعة، تم تسجيل نفوق أكثر من أربعة آلاف ثعلب كانت قد لجأت إلى
أعالي الأشجار هرباً من الحرائق، لكنها احترقت مع الأشجار.
مرحلة الطوارئ
وفي رسالة مفتوحة نشرتها احدى الصحف الاسترالية مؤخراً، قال دان كوندون
وهو خبير في اخماد الحرائق أن ظاهرة الاحتباس الحراري لم تعد مسألة
مستقبلية لا تستحق الاهتمام بل والقلق أيضاً، فما نراه هذه الأيام، وخاصة
في الاسبوعين الماضيين، يحتم علينا الانتقال من مرحلة انتظار الخطر الى
مرحلة الطوارئ.
ويقول العلماء والمختصون أن احتمالات عثور لجنة التحقيق الحكومية على
علاقة بين الاحتباس الحراري ومصرع الآلاف من البشر والحيوانات والطيور
تبدو أكثر من محتملة بل هي شبه مؤكدة.
البروفيسور كريس كوكلين الأستاذ المحاضر في جامعة جيمس كوك في مدينة
تاونسفيل بولاية كوينزلاند الاسترالية يقول ان نتائج تحقيق اللجنة
الحكومية سوف يؤكد ما سبق للكثيرين أن حذروا من خطره.. ومن المؤكد أن
النتائج المتوقعة سوف تضع التغيرات المناخية في قفص الاتهام للمرة الأولى
في التاريخ.
حقول مهجورة
في حوض موراي الشاسع الذي تخترقه ثلاثة أنهار كبيرة (موراي، دارلينغ
ومورمبدغي) ابتداء من المنحدرات الغربية باتجاه السواحل الشرقية، تمتد
السهول الخصبة التي تزود الأسواق الأسترالية بمعظم ما تحتاج اليه من
خضروات وفواكه، وهناك الغابات الكثيفة والرائعة في آن والتي تمتد لمئات
الأميال.
ومن يزر هذه المناطق هذه الأيام يمكنه بسهولة أن يرى الحقول والبساتين وقد
هجرها أصحابها، والمنازل أو المحلات التجارية وقد علقت على أبوابها لوحات
تحمل عبارة «للبيع أو للايجار» في أجواء خانقة لا تشجع على الشراء أو
الاستئجار، وبعد أن انخفضت كمية الأمطار التي تشهدها المنطقة بنسبة 50%
عما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط.
ويقول أحد الخبراء ان أستراليا تشهد انهيار القطاع الزراعي مما يعني أنها لن تعود قادرة على اطعام نفسها خلال سنوات قليلة مقبلة.
انتشار الانتحار
ويكشف مسؤولون في وزارة الصحة أن حالات الانتحار بين المزارعين من أصحاب
الأراضي سجلت ارتفاعاً غير مسبوق بمعدل حادث انتحار كل أسبوع، معظمهم
يشنقون أنفسهم بعد أن فقدوا كل شيء.. لا مال لديهم لاستصلاح أراضيهم بعد
الحرائق المدمرة، كما أن المكائن الزراعية التي يملكونها غير صالحة للبيع
بسبب تلك الحرائق، وفي الوقت نفسه يتوجب عليهم تسديد أقساط شراء هذه
المكائن الخردة.. انه اليأس الذي يدفعهم للانتحار.
أما في المناطق التي تضررت نسبياً بالحرائق أو موجة الحر، فلا يزال هناك
المئات من المزارعين الذين يواصلون حرث حقولهم ولكنهم يعمدون في موسم
الحصاد الى حرق المحصول لأنه أقل مما يستحق نقله الى الأسواق، فالخسارة
الناجمة عن احراقه تبقى أقل من خسارة نقله وتسويقه.
وفي وادي غولبورن تم في السنوات الخمس الماضية اقتلاع أكثر من 20% من مجموع الأشجار المثمرة بسبب الجفاف والحرائق.
بيع الماء بدل الحليب
كذلك الحال بالنسبة لمزارع الأبقار ومنتجات الألبان.. فالأبقار لا تجد ما
يكفي من الأعلاف أو الماء، ولذلك لجأ أصحاب هذه المزارع الى بيع حقوق
الانتفاع بمياه الأنهار بدلاً من بيع الحليب ومشتقاته.
ويقول دي ديفيس أحد أصحاب تلك المزارع: لقد أعطينا أبقارنا اجازة مفتوحة وتحولنا الى بيع الماء.
أما سانتو فيرابوديا وهو من كبار أصحاب الأراضي الزراعية الخصبة في مقاطعة
شيبارتون فيقول ان المنطقة كانت تشهد سنوياً ما معدل 20 بوصة من الأمطار
أما اليوم فأقصى ما نتمناه هو سبع بوصات.
وعن موجة الحر التي ضربت المنطقة يقول الرجل ان الحرارة قد طبخت الفاكهة
وهي على أشجارها، فتساقط بعضها على الأرض، أما الباقي فحمل تلك البقع
السوداء التي تدل على ذلك الوضع المحزن الذي وصلت اليه حقولنا ومزارعنا.
مراحيض في حنفية!
وتشهد أستراليا هذه الأيام أكثر موجات الجفاف سوءاً منذ أكثر من قرن، ففي
جميع أنحاء البلاد يتم تقنين استهلاك المياه، وفي غالبية المنازل تتم
اعادة استخدام مياه الاغتسال في عمليات التنظيف أو ري الحديقة المنزلية
اذا وجدت.. كما أن عمليات غسل السيارات تخضع للتقنين هي الأخرى.. بالاضافة
الى أن نقل المياه بالدلاء باتت ظاهرة شائعة في أستراليا.
وفي مدينة بريسبين يشرب السكان مياهاً مستصلحة، أي أنها «مستعملة» لكن
أعيدت تنقيتها، حتى أن الناس هناك يطلقون عليها للتفكه اسم «مراحيض في
حنفية»! والمحظوظ في المناطق الزراعية هو من يملك بئراً في حقله أو يملك
المال الكافي لشراء المياه بالتناكر!
عادية، وأمراض جديدة بسبب انتشار البعوض في كل مكان.. انها بعض نتائج
ظاهرة الاحتباس الحراري التي تشهدها أستراليا هذه الأيام.
وعلى الجانب الآخر من هذه النتائج.. ارتفاع غير عادي في نسبة حوادث
الانتحار، وكذلك حالات الطلاق.. المستشفيات تغص بضحايا الانهيار العصبي،
ومعه الانهيار الاقتصادي أيضاً.
لسنوات طويلة، اشتهرت أستراليا بالمغامرين الأوائل من المهاجرين الذين
وصلوا إلى شواطئها بحثاً عن وطن يحظى بكل أسباب النجاح الموعود في أرض
خصبة ومناخ هو الأكثر جفافاً في العالم.. وخلال سنوات قليلة، حققت
أستراليا خطوات اقتصادية جبارة، وأصبحت مزارعها ومراعيها مصدراً للخضروات
والفواكه والمواشي التي تملأ بطون العالم في قارات الشرق والغرب.
وسرعان ما أصبحت أستراليا تحمل لقب القارة المحظوظة، وانتشرت صور شواطئها
وحقولها في العالم كله.. لقد نجحت الحكومات الأسترالية المتعاقبة في تصوير
البلاد على أنها بلاد الشمس الدائمة والشعب الذي يعرف كيف يصنع المعجزات
ويثير غيرة الآخرين.
عشرات العلماء وخبراء المناخ يقولون بضرورة إعادة النظر في هذه الصورة
البراقة.. ففي السنوات الأخيرة شهدت أستراليا ولا تزال حرائق تأكل الأخضر
واليابس في شرق البلاد وغربها بسبب موجات الجفاف القاتل، تتبعها فيضانات
موسمية تغرق الحقول والمزارع وتشرد الآلاف.. وبين الحرائق والجفاف
والفيضانات تسجل الحركة الاقتصادية تراجعاً غير مسبوق، والسبب كما يؤكد
الجميع : الاحتباس الحراري الذي يبدو أن أستراليا أولى ضحاياه.
على الرغم من أن أستراليا اتخذت العديد من الخطوات الاستباقية لمواجهة
الأوضاع الجديدة، فقد أطلق بعض العلماء تحذيراً واضحاً من أن الظروف
المناخية الصعبة التي تشهدها أستراليا عبارة عن صورة مصغرة لما سوف يشهده
العالم في السنوات القليلة المقبلة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري إذا لم
يتم اتخاذ الخطوات الضرورية والعاجلة لحماية البشرية من هذا الخطر الداهم.
ويقول تيم فلانيري الذي يلقبونه في أستراليا بنبي المناخ لضلوعه المتعمق
في دراسة علومه أن المشكلات الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري تزداد
خطورة مع الأيام، والثمن الذي يتوجب على أستراليا أن تدفعه نتيجة لهذه
الظاهرة أكبر بكثير من الأثمان التي ستدفعها الدول النامية الأخرى.. «لقد
بدأنا نشهد بعض النتائج التي تنتزع صمامات الأمان والحياة».
ففي فبراير الماضي، لقي 173 شخصاً مصرعهم بسبب حرائق الغابات والتي اعتبرت
الأسوأ في تاريخ البلاد.. وقبل ذلك بأسبوع واحد مات أكثر من 200 شخص بسبب
موجة الحر التي اجتاحت أستراليا.
المناخ في قفص الاتهام
لهذه الأسباب وغيرها، تم تشكيل لجنة حكومية عليا من ثلاثة قضاة مهمتها أن
تقرر ما إذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري مسؤولة، بين أمور أخرى، عن
الحرائق والفيضانات وموجات الحر التي تجتاح البلاد بوتيرة متسارعة هذه
الأيام، والتي كان آخرها حريق هائل دمر عدة مدن وقرى في ولاية فيكتوريا
وقضى على أكثر من ربع الحيوانات والطيور النادرة في تلك الولاية وأهمها
الكوالا والكنغر.
ويقول المتابعون أن تشكيل هذه اللجنة التي تحظى بصلاحيات واسعة جداً يعتبر
الخطوة الأولى لمحاكمة الطقس في بلد لا يزال يعتمد على الفحم الحجري
لتأمين 80% من احتياجاته للطاقة، في حين أن الفحم الحجري نفسه يعتبر
المسبب الأول لتلك الظاهرة التي تهدد البشرية.
وعلى الرغم من أن اللجنة لن تنتهي من إعداد تقريرها النهائي قبل شهر أغسطس المقبل، فمحاضر الدعوى في القضية تبدو شبه جاهزة.
ويجمع العلماء والسكان، وكذلك رجال المطافئ الذين شاركوا في مكافحة نيران
الحرائق الأخيرة في ملبورن والتي أعقبت موجة حر غير عادية أن 200 شخص لقوا
مصرعهم حين حولت الحرارة الشديدة منازلهم المصنوعة من الصفيح إلى توابيت
محكمة الإغلاق، كما «عجنت» خطوط السكك الحديد بطول 400 قدم وحولتها إلى ما
يشبه قضبان المعكرونة، بعد أن سجلت الحرارة ما بين 110 و120 درجة على
مقياس فهرنهايت (43 – 49 مئوية) وأكثر، في جو تقترب فيه الرطوبة من درجة
الصفر، مع رياح تزيد سرعتها على 100 ميل (160 كيلومتراً) في الساعة. وخلال
أقل من 24 ساعة، تم تسجيل نفوق أكثر من أربعة آلاف ثعلب كانت قد لجأت إلى
أعالي الأشجار هرباً من الحرائق، لكنها احترقت مع الأشجار.
مرحلة الطوارئ
وفي رسالة مفتوحة نشرتها احدى الصحف الاسترالية مؤخراً، قال دان كوندون
وهو خبير في اخماد الحرائق أن ظاهرة الاحتباس الحراري لم تعد مسألة
مستقبلية لا تستحق الاهتمام بل والقلق أيضاً، فما نراه هذه الأيام، وخاصة
في الاسبوعين الماضيين، يحتم علينا الانتقال من مرحلة انتظار الخطر الى
مرحلة الطوارئ.
ويقول العلماء والمختصون أن احتمالات عثور لجنة التحقيق الحكومية على
علاقة بين الاحتباس الحراري ومصرع الآلاف من البشر والحيوانات والطيور
تبدو أكثر من محتملة بل هي شبه مؤكدة.
البروفيسور كريس كوكلين الأستاذ المحاضر في جامعة جيمس كوك في مدينة
تاونسفيل بولاية كوينزلاند الاسترالية يقول ان نتائج تحقيق اللجنة
الحكومية سوف يؤكد ما سبق للكثيرين أن حذروا من خطره.. ومن المؤكد أن
النتائج المتوقعة سوف تضع التغيرات المناخية في قفص الاتهام للمرة الأولى
في التاريخ.
حقول مهجورة
في حوض موراي الشاسع الذي تخترقه ثلاثة أنهار كبيرة (موراي، دارلينغ
ومورمبدغي) ابتداء من المنحدرات الغربية باتجاه السواحل الشرقية، تمتد
السهول الخصبة التي تزود الأسواق الأسترالية بمعظم ما تحتاج اليه من
خضروات وفواكه، وهناك الغابات الكثيفة والرائعة في آن والتي تمتد لمئات
الأميال.
ومن يزر هذه المناطق هذه الأيام يمكنه بسهولة أن يرى الحقول والبساتين وقد
هجرها أصحابها، والمنازل أو المحلات التجارية وقد علقت على أبوابها لوحات
تحمل عبارة «للبيع أو للايجار» في أجواء خانقة لا تشجع على الشراء أو
الاستئجار، وبعد أن انخفضت كمية الأمطار التي تشهدها المنطقة بنسبة 50%
عما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط.
ويقول أحد الخبراء ان أستراليا تشهد انهيار القطاع الزراعي مما يعني أنها لن تعود قادرة على اطعام نفسها خلال سنوات قليلة مقبلة.
انتشار الانتحار
ويكشف مسؤولون في وزارة الصحة أن حالات الانتحار بين المزارعين من أصحاب
الأراضي سجلت ارتفاعاً غير مسبوق بمعدل حادث انتحار كل أسبوع، معظمهم
يشنقون أنفسهم بعد أن فقدوا كل شيء.. لا مال لديهم لاستصلاح أراضيهم بعد
الحرائق المدمرة، كما أن المكائن الزراعية التي يملكونها غير صالحة للبيع
بسبب تلك الحرائق، وفي الوقت نفسه يتوجب عليهم تسديد أقساط شراء هذه
المكائن الخردة.. انه اليأس الذي يدفعهم للانتحار.
أما في المناطق التي تضررت نسبياً بالحرائق أو موجة الحر، فلا يزال هناك
المئات من المزارعين الذين يواصلون حرث حقولهم ولكنهم يعمدون في موسم
الحصاد الى حرق المحصول لأنه أقل مما يستحق نقله الى الأسواق، فالخسارة
الناجمة عن احراقه تبقى أقل من خسارة نقله وتسويقه.
وفي وادي غولبورن تم في السنوات الخمس الماضية اقتلاع أكثر من 20% من مجموع الأشجار المثمرة بسبب الجفاف والحرائق.
بيع الماء بدل الحليب
كذلك الحال بالنسبة لمزارع الأبقار ومنتجات الألبان.. فالأبقار لا تجد ما
يكفي من الأعلاف أو الماء، ولذلك لجأ أصحاب هذه المزارع الى بيع حقوق
الانتفاع بمياه الأنهار بدلاً من بيع الحليب ومشتقاته.
ويقول دي ديفيس أحد أصحاب تلك المزارع: لقد أعطينا أبقارنا اجازة مفتوحة وتحولنا الى بيع الماء.
أما سانتو فيرابوديا وهو من كبار أصحاب الأراضي الزراعية الخصبة في مقاطعة
شيبارتون فيقول ان المنطقة كانت تشهد سنوياً ما معدل 20 بوصة من الأمطار
أما اليوم فأقصى ما نتمناه هو سبع بوصات.
وعن موجة الحر التي ضربت المنطقة يقول الرجل ان الحرارة قد طبخت الفاكهة
وهي على أشجارها، فتساقط بعضها على الأرض، أما الباقي فحمل تلك البقع
السوداء التي تدل على ذلك الوضع المحزن الذي وصلت اليه حقولنا ومزارعنا.
مراحيض في حنفية!
وتشهد أستراليا هذه الأيام أكثر موجات الجفاف سوءاً منذ أكثر من قرن، ففي
جميع أنحاء البلاد يتم تقنين استهلاك المياه، وفي غالبية المنازل تتم
اعادة استخدام مياه الاغتسال في عمليات التنظيف أو ري الحديقة المنزلية
اذا وجدت.. كما أن عمليات غسل السيارات تخضع للتقنين هي الأخرى.. بالاضافة
الى أن نقل المياه بالدلاء باتت ظاهرة شائعة في أستراليا.
وفي مدينة بريسبين يشرب السكان مياهاً مستصلحة، أي أنها «مستعملة» لكن
أعيدت تنقيتها، حتى أن الناس هناك يطلقون عليها للتفكه اسم «مراحيض في
حنفية»! والمحظوظ في المناطق الزراعية هو من يملك بئراً في حقله أو يملك
المال الكافي لشراء المياه بالتناكر!